يبدو أن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين -وخاصة أولئك من أصحاب الدخل الضعيف- تجبرهم على الالتجاء لاقتناء حاجياتهم اليومية حسب ما يتوفر لهم من مال حيث يختارون ما قل ثمنه دون تفكير في ما يمكن أن ينجر عنه من تبعات، ومن بين تلك الحاجيات نجد مواد التنظيف التي يعتبرونها ضرورية لحياتهم اليومية إلا أن ذلك يجعل العديد منهم يعانون من أمراض تتسبب في نفقات إضافية لم تكن في الحسبان.. ولان مواد التنظيف لا تكاد تخلو منها بيت لان المواطن يظل يقبل على شرائها بصفة دورية كماء «الجافال» والصابون السائل و»القريزاي» و»الدينول.. ومواد التعطير وغيرها.. ولئن عرفت هذه المواد ذات الجودة ارتفاعا عاليا في أسعارها وذلك بحسب الماركات لأنها تستجيب للمواصفات فان عددا من مصنعي هذه المواد بصفة عشوائية وجدوا الفرصة سانحة في توفير بضاعة تنعدم بها المواصفات من خلال إضافة تركيبات ومواد «مسرطنة» و»سامة» تتسبب عند احتكاكها أو لمسها للجلد في أضرار متعددة للإنسان..»الصباح الأسبوعي» تناولت الموضوع بالدرس واتصلت بجملة الأطراف المتداخلة.
أضرار كارثية..
كان المنطلق في إعداد هذا التحقيق هو التصريح الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي والذي ذكر من خلاله أن الوحدات الأمنية تمكنت وسط الأسبوع المنقضي من الكشف عن مصانع عشوائية لصنع ماء ‹›الجفال›› تستعمل مواد كيميائية خطيرة ومسرطنة ضمن تركيبتها الكيميائية .
وأضاف الجبابلي في اتصال مع «الصباح الأسبوعي» أن هذه المواد تخلف عدة أضرار على الشخص وعلى محيطه إذ يكفي أن يتم استنشاقها أو أن تحتك مباشرة بالجلد فإنها تتسبب في تشوهات جينية وتؤثر أيضا على الخصوبة.
وبين الجبابلي أن الفرقة المختصة بالموضوع وهي الفرقة الوطنية لمرافقة ومراقبة المتفجرات والمواد الخطرة تمكنت بعد عمل متواصل لأعوانها من حجز 20 كلغ من المواد المسرطنة و5 آلاف لتر جفال «مغشوش»
وأشار إلى أن هذه المصانع موزعة على ولايات تونس ومنوبة وبن عروس وزغوان، وتتولى توزيعها على المحلات مع تدليس المواصفات التونسية.. وقد تم تسجيل عدد من الإيقافات لهؤلاء الأشخاص المخالفين. مراقبة «استثنائية»..
وسعيا لمعرفة الأطراف المتدخلة في الموضوع والتي من أهمها منظمة الدفاع عن المستهلك باعتبارها في طليعة المنظمات التي يفترض أن تسعى للعناية بالمستهلكين في جميع الميادين والقطاعات وحمايتهم والدفاع عن مصالحهم وتوعيتهم بكل ما يتعلق بسلامتهم وحسن التصرف، اتصلنا برئيس المنظمة المذكورة سليم سعد الله الذي كشف أن المنظمة سبق وأن أشارت إلى هذا الموضوع منذ فترة ونبهت إلى النتائج «الكارثية» التي يمكن أن تنجر عن استعمال تلك المنتوجات التي تباع بعديد الفضاءات والتي لا تخضع للمراقبة بالكيفية المطلوبة على غرار ماء «الجافال»
وأضاف سعد الله أنهم بمعية عدد من فرق الشرطة البلدية سبق وأن حجزوا مثل تلك المنتوجات كان أصحابها يعمدون إلى الاتصال بالمنازل مباشرة من اجل بيعها دون أن تخضع للمواصفات والمعايير المطلوبة والتي تعد مجهولة المصدر إذ أن المعلبات التي توضع بها لا تتوفر بها أية تنصيصات عن مصدرها أو آجال للاستعمال.
وشدد سعد الله على أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل سريع بعد الثورة مستغلين غياب المراقبة التي صارت حكرا فقط على المواد الاستهلاكية والتجاوزات التي تتعلق بالأسعار وكذلك المخالفين والمضاربين في المقابل تم تناسي تلك المنتوجات التي اتخذت حيزا هاما في البلاد وجاري بيعها بصفة مباشرة إلى المستهلك، مشددا على أنه لا يعقل اليوم أن تباع مثل تلك المنتوجات غير المرخصة وغير الخاضعة للمراقبة على مرأى ومسمع من أعوان المراقبة والشرطة البلدية وأعوان الأمن وهو أمر مخالف للقانون خاصة وان تلك المواد تعد خطرة ويمكن أن تكون سببا في الإصابة بعديد الأمراض المزمنة والتي من بينها سرطان الجلد وأمراض أخرى كالحساسية والتي تصيب ربات البيوت كأكثر فئة معرضة لها.
وشدد سعد الله أنهم صلب منظمة الدفاع عن المستهلك سبق وأن نبهوا إلى مثل تلك المخازن العشوائية داعين إلى ضرورة وقف هذا «الفينومان» والتجاوزات التي ترتكب في حق المواطن والمستهلك مستغلين العدد الضعيف والضئيل لأعوان المراقبة.
ودعا في المقابل إلى تجفيف منابع المصانع والمخازن التي سماها بـ»البؤر» التي تصنع تلك المواد والتي تعد خارجة على الإطار لا قانوني مناديا بإيقافها وتسليط الضوء عليها حماية للمستهلك ولربات البيوت وللمعينات المنزليات اللاتي يتم جلب تلك المنتوجات لهن دون أن يستطعن رفضها ما يتسبب لهن في أضرار لاحقا منتهيا إلى القول «نحن كمجتمع مدني جاهزون للتصدي لها بالتنسيق مع جميع الأطراف المعنية ومقاومة هذه الظاهرة مع شركائنا والعمل على تسليط أقصى العقوبات على مرتكبي هذه التجاوزات». مراقبة متوفرة.. وعمل تشاركي
أما في ما يتعلق بالجانب الرسمي والردعي فقد حاولنا البحث والكشف عن الإجراءات التي اتخذتها إدارة الشرطة البلدية للحد من هذه الظاهرة والتصدي لها حيث أوضح العميد حسان العيادي في اتصال معه أن المواد المذكورة منتشرة بصفة كبرى في الأحياء الشعبية والأسواق الأسبوعية حيث يقع بيعها للمواطنين في قوارير.
وأضاف أنه تم الكشف عن عدد من هؤلاء المتجاوزين من بينهم ما تم تسجيله بجهة فوشانة بخصوص عامل سابق بإحدى الشركات المتخصصة في صناعة مواد التنظيف والذي قام بالانتصاب لحسابه الخاص بطريقة غير قانونية وانطلق في بيع منتوجات يقوم بدمجها ضمن تركيبة لا تخضع للمواصفات والمعايير القانونية ويقوم ببيعها للمستهلك، وقد تبين لاحقا بعد إجراء التحريات اللازمة في الموضوع أن هذا المنتوج حينما يتم استعماله بآلة غسل ملابس «تتعطب» وقد تم على إثرها الإيقاع بالشخص المذكور وإيقافه وكذلك بصاحب المطبعة الذي يقوم بطباعة الملصقات التي كان يستعملها للترويج ليتم الكشف لاحقا عن شبكة كبرى تعمل في هذا المجال وبشكل لا يستجيب لأية شروط قانونية.
وعن مسالة المراقبة لهذا النوع من المنتوجات أكد العيادي أن المراقبة متوفرة بالشكل المطلوب، حيث يتم العمل بالتنسيق مع الأطراف المعنية من بينها وزارة التجارة ووزارة الصحة وحينما يتم الكشف عن هؤلاء المتجاوزين والتثبت من كافة الإجراءات القانونية يقع إحالة مرتكب الفعلة على أنظار القضاء لينال عقابه.. إلا أنه في المقابل يظل هؤلاء المتجاوزين يعمدون إلى تخصيص مقرات بعيدة عن العاصمة لتفادي جلب الانتباه لهم عند دخول وخروج الشاحنات المخصصة للغرض حيث يقع تخصيص مقرات بأماكن بعيدة عن المراقبة كي تسهل لهم عملية الدخول والخروج دون أن ينتبه لهم أي أحد ويتمكنوا من الترويج لمنتوجاتهم بأريحية كبرى. تدخلان لا ثالث لهما..
وعن دور الشرطة البيئية في المساهمة في القضاء على هذه المصانع العشوائية المتخصصة في مواد التنظيف، صرح عضو لجنة قيادة وتركيز جهاز الشرطة البيئية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة الحبيب كربول أن سلك الشرطة البيئة هو سلك حديث انطلق في العمل بتاريخ 13 جوان 2017 ويعتمد برنامجا خماسيا للانتشار والتركيز والتعميم على أغلب البلديات حيث أنه متواجد حاليا بـ74 بلدية من ضمن 350 بلدية في الجمهورية وبمعدل 300 عون وهو ما يجعل هناك صعوبة في التعامل مع تطوير العمل البيئي والمحلي ولكن في المقابل فإنهم يعملون من أجل الدفع للقيام بتعزيز الفرق المحدثة بموارد بشرية مختصة لدعم المجهود البلدي في مقاومة كافة المظاهر المخلة بالبيئة وبالنظافة والسلامة الصحية وفقا لمقتضيات القانون عدد 30 لسنة 2016 والأمر 433 لسنة 2017 المتعلقين بمخالفات وجنح حفظ الصحة والنظافة العامة.
وفي خصوص المصانع العشوائية المتواجدة لصناعة مواد تنظيف وبحسب ما تم تداوله من وجود مواد «مسرطنة» من الممكن أن تمس من صحة وسلامة المواطنين، فان عملية تدخل فرق الشرطة البيئية تضم جانبين في إطار معاضدة بقية المجهودات لمختلف الوحدات والتشكيلات إما الأمنية أو الصحية، ويعتبر الجانب الأول العمل من طرف أعوان الشرطة البيئية للتحري عن هذه المصانع والتثبت من سلامة الوثائق والقرارات الضرورية وحصولها على التراخيص الضرورية للتمكن من ممارسة نشاطها وفي حال ثبوت وجود هذه المصانع يتدخل العون باعتباره مأمور الضابطة العدلية باستدعاء المعني وطلب الوثائق وإجراء تقرير معلل للسيد رئيس المجلس البلدي من اجل طلب التدخل لإصدار قرار بلدي لإيقاف نشاط المعني إلي حين قيامه بالإجراءات الضرورية لفتح مصنع الاختصاص مع الإشارة إلى أن كافة الإجراءات المتعلقة بالسلامة في اعتماد المواد غير الممنوعة ستكون ملزمة للمعني آليا.
أما الإجراء الثاني فيتمثل باقتراح الموافقة لآخذ عينات من المواد المستعملة بعد استشارة النيابة العمومية وإرساله للاختبار وانتظار نتائجه وتحديد إما التكفل بالموضوع وفقا لنصوص صلاحياتهم المدرجة بالقانون عدد 30 لسنة 2016 وإذ اتضح أن الإخلالات كارثية وعلى علاقة بمواد خطيرة ومسرطنة يتم إحالة تقرير مفصل يكون مصاحب بملف فني يتضمن نتائج تحاليل الاختيار للسيد وكيل الجمهورية والذي آليا سيرسله لجهة بحث مختصة نظرا لخطورة التهم التي ستوجه للمشتبه به.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.