المدرسة هي البيت الثاني للطفل شعارها التربية والتعليم ودورها مكمل لدور الأم في البيت ولكن اليوم تحولت الفضاءات التربوية إلى «مسارح» تعرض فيها شتى أنواع العنف والتحرش وتحدث خلف أسوارها حوادث غريبة ومريبة وآخرها حادثتين جدتا أمس الأول.
الحادثة الأولى في رواد حيث توفي تلميذ يدرس بالمدرسة الابتدائية «اليمامة» برواد الشاطئ قال شهود عيان إنه تعرض للعنف مساء الثلاثاء الماضي من قبل مدرسه وغادر المدرسة وكانت حالته سيئة.
وفي اتصالنا مع الناطق الرسمي باسم محكمة أريانة معز الغريبي أفادنا أن الطفل تعكرت حالته مساء الثلاثاء فاصطحبه والديه إلى مصحة خاصة غير أنه وبعد وقت قصير تم إعلامهما بأن ابنهما فارق الحياة ومباشرة أعلم والداه السلط الأمنية التي أشعرت مندوب حماية الطفولة والنيابة العمومية التي أذنت بفتح بحث عهدت به إلى فرقة الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بالقرجاني للبحث وإجراء التساخير اللازمة للوقوف على أسباب الوفاة.
وكانت مندوبة حماية الطفولة بأريانة هادية الطبربي صرحت لـ»راديو ماد» أنها تلقت صباح الثلاثاء الماضي إشعارا من والد ووالدة الطفل المتوفى وقالا إن ابنهما تعرض للعنف ولاحظا أن الطفل كان في حالة خوف ورعب وكان يردد «سكروا الباب باش سيدي ما يضربنيش.. راهو سيدي باش يضربني بالكوتشو..هاني باش نحفظ السورة باش سيدي ما يضربنيش».
وأما الحادثة الثانية فقد جدت أمس الأول أيضا بالمدرسة الإعدادية بمنزل بوزلفة حيث أشهر أستاذ سكينا في وجه تلميذة والإطار التربوي مهددا كل من يحاول الاقتراب من قسمه بالذبح.. واثر الحادثة قررت المندوبية الجهوية للتربية بنابل إيقاف الأستاذ عن العمل، علما وأن هذا الأستاذ تمت نقلته من معهد عاطف الشايب بالحمامات بسبب قيامه بأعمال غريبة بلغت به حد الرقص والتلفظ بكلام بذيء في القسم وتعنيف التلاميذ لأنه كان يعاني من اضطرابات نفسية.
وللإشارة فإن التقرير الإحصائي السنوي لنشاط مكاتب مندوبي حماية الطفولة لسنة 2017 بين أن 35 طفلا يتعرضون يوميا للعنف سواء في المنزل أو في الشارع أو المؤسسات التعليمية حيث بلغ إلى مندوب حماية الطفولة 1717 إشعارا.
حول موضوع العنف داخل الفضاء التربوي أفادنا الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أنه رغم أن المدرسة فضاء حداثي وعقلاني تحكمه القوانين فالطفل مازال موضوعا وضحية للعنف بمختلف أشكاله فهو مستهدف بطريقة مزدوجة، أولا لأنّه طفل لا يجد الحماية التربوية في حياته المدرسية وثانيا لأنّه يعيش في مجتمع تسلطي يبرر للعنف ويشرعه.
عنف مجاله الفضاء المدرسي لكنه مجرد حلقة من حلقات العنف المسلط على الطفولة في جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى كالوسط والمحيط العائلي ودور الحضانة ورياض الأطفال ومراكز الإيواء حيث يعد العنف المسلط على الطفل مألوفا وعاديا وجائزا في حين أنه من المفروض أن يكون الأمر عكس ذلك حيث يفترض أن يجد الطفل الرعاية المادية والمعنوية فيشعر فيها بالأمن لتنمية ذاته وقدراته.
أنواع العنف المسلط على الطفل..
بيّن الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن العنف المادي والبدني هو من أكثر أنواع العنف شيوعا في الوسط المدرسي ويعتقد ممارسوه أنه وسيلة تقويم سواء للسلوك أو التأخر الدراسي ويتراوح بين العنف الخفيف ويمكن أن يصل إلى التعذيب والتنكيل بشكل يخلف آثارا ظاهرة لدى الضحية ورغم أن القوانين تجرمه (على غرار مجلة حقوق الطفل التي صادقت عليها تونس منذ التسعينات) إلا أنه مازال ممارسة شائعة في مدارسنا حتى تلك التي توجد في المدن الكبرى وحتى العاصمة.
العنف اللفظي..
ليست الخطورة في العنف المادي فحسب بل في العنف اللفظي الذي لا يقل خطورة عنه ويجد مكانا له في اُستعمالات اللغة اليومية التي تستحضر كل قاموس الشتيمة والتشهير والتقزيم والاهانة، تصب على كاهل الطفل دون شفقة أو رحمة وتستمد جذورها ومشروعيتها من ثقافة مجتمعية تعتبرها عنفا مشروعا ومبررا في حين يفترض أن يكون مجرما ومدعاة للعقاب ويأتيها شخص من المفترض أن يعلم الأطفال ثقافة الحياة والجمال.
التحرش الجنسي..
عرف القانون التحرش في الفصل 226 من المجلة الجنائية على أنه «الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شانها أن تنال من كرامته وأن تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو ممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات». فالتحرش الجنسي إذن هو عمل أو سلوك أو نشاط أو قول أو فعل واع ومقصود يتم بأساليب مختلفة(حركات – إشارات- كلمات- إيحاءات- تعليقات…) رمزية أو جسدية بهدف إثارة جنسية أو بحثا عن إشباع ما يثير عمدا لدى الضحية مشاعر الارتباك والانزعاج والقرف والإحساس بالظلم والإهانة. انه نوع من أنواع التسلط الذي يمارس على الآخر وهو ليس نابع بالضرورة من الرغبة الجنسية وحدها بل بدافع الإذلال والتسلط والإهانة وهزم الإنسان أمام نفسه وممارسة نوع من السلطة الاجتماعية أو المعنوية أو القانونية. إذا فمفهوم التحرش لا يعني بالضرورة ممارسة فعل مناف للحياء، لكنه بالضرورة يشمل كل قول أو فعل أو إيحاء يحمل مفهوما جنسيا إزاء شخص لا تربطنا به علاقة جنسية مقننة ومنظمة. وتكتسب هذه الظاهرة خطورة مضاعفة عندما تكون في مؤسسة تربوية يفترض بها الحماية والتربية والتنشئة وتكتسي خطورة أكبر عندما يمارسها شخص فوضه المجتمع ليقوم بدور نبيل. وعادة ما تكون هذه الممارسات مصحوبة بتجاوزات أخرى كالتدريس في حالة سكر وغيرها من الممارسات المرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا وتربويا. والغريب أن لا تجد المخالفات الجنسية وغيرها من التجاوزات في حق الأطفال حظها من الإدانة من المجتمع (الذي ينكر أو يتنكر لوجودها أصلا) أو أن المعتدي يجد حماية وتبريرا من زملائه وأهل قطاعه حيث يقع الدفع إلى حل معظم هذه الحالات «داخلياّ» بين الأطراف المتدخلة ولا يقدم الأهالي في الغالب أية شكوى خوفا من «الفضيحة» أو من الانتقام ورد الفعل من المعتدي.
القانون لردع التلميذ وليس لحمايته..
قال الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد «لو عدنا إلى القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لا نجد ما يشير إلى هذه المسألة إلا في باب وحيد تحت عنوان « في حقوق التلميذ وواجباته» امتد على صفحة واحدة فقط(ص 24 من الفصل 11 إلى الفصل14) هذا الفصل الذي أقر بأنه « يضبط نظام التأديب بالمؤسسات التربوية بقرار من الوزير المكلف بالتربية «.. إذن فما نلاحظه أن التشريعات تطورت وتجددت بحيث شملت منذ 2002: رسالة التربية ووظائف المدرسة – نظام الدراسة – هيكلة المؤسسات التربوية – الإطار التربوي والإداري والأسرة التربوية – مرجعية التعلمات – التقييم-البحث والتجديد في المجال التربوي، إلا أنها تشمل مسالة العقوبات. إذن نحن مضطرون إلى العودة قليلا إلى الخلف وبالتحديد إلى منشور وزير التربية عدد 93/91 لسنة 1991 وموضوعه نظام التأديب المدرسي
لقد شدد المنشور على أنه « يمنع إسناد أية عقوبة محجرة : العقوبة البدنية- الكلمة الجارحة – التهديد اللفظي – الحط من العدد – الإقصاء من الدرس ( إلا في الحالات القصوى).
لقد قسم المنشور المذكور النظام التأديبي إلى قسمين: نظام المذاكرة التكميلية – نظام المحافظة على آداب السلوك وفصل بالتدقيق درجاتها وشروطها وحدودها رغم أنها نظام احتياطي، إلا أنه لم يفصل لنا ما هي «الوسائل التربوية العادية الملائمة» ومن يقوم بها وما هي شروطها؟
وخلص بالحاج محمد إلى أنه لا يمكن الجزم بأن هذه الظاهرة قد تفاقمت بعد الثورة،ما يمكن التأكيد عليه فقط أنها أخذت أبعادا جديدة منسجمة مع هذا السياق الاجتماعي والثقافي المستجد والمنفلت. ففي مجتمع تغلب عليه قيم الفحولة الزائفة والتسلط، إما أن تصمت الضحية أو تجبر على الصمت خوفا من العقاب أو الابتزاز أو الفضيحة أو حفاظا على صورة المؤسسة التربوية أو خوفا من رد فعل المشتغلين في القطاع أو نظرة المجتمع. نحن عادة ما نتناسى أن تعرض التلميذ لهذه الضغوط منذ سن مبكرة يؤدي إلى حالة من «التطبيع» مع الجريمة والبذاءة والتجاوز والتسلط، فتغدو مع الوقت عادية ومألوفة وبالتالي فلا نستغرب أن تنتج مؤسساتنا التربوية الجريمة والإرهاب ولذلك أصبح من الضروري التعامل معها بأكثر جرأة وأكثر رغبة في النجاعة والفاعلية من أجل التشهير بها وإنصاف ضحاياه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.