تغيرات كبيرة طرأت على أهم الأسواق العالمية في اليومين الأخيرين مباشرة بعد التوتر الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط بفعل التصعيد بين أمريكا وإيران وما يجري في العراق عقب مقتل قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني، حيث عرف سوق النفط العالمي اضطرابا ملحوظا في أسعار المواد الطاقية بكل أصنافها، فضلا عن التذبذب الذي شهدته سوق الصرف وبقي الدولار الأمريكي يتأرجح بين السلبي والايجابي مقابل بقية العملات.
فقد عرف تحسنا بأكثر من 0.3 % مقابل الاورو ليصل إلى مستوى 97.11 نقطة ، ويواصل ليومه الثالث على التوالي في هذا المنحى مع نشاط واسع لطلب العملة الأمريكية كأفضل استثمار بديل..
وعرفت العملة الأمريكية استقرارا مع الساعات الأولى من صباح يوم أمس مقابل الاورو عند مستوى 1.1149 دولار، كما لم تشهد تغييراً يذكر أمام بقية العملات المعروضة في السوق ماعدا نظيرتها البريطانية التي عرفت معها تراجعا بنحو 0.2 % مسجلة 1.3152 دولار..
في حين سجل الاورو خلال اليومين الأخيرين مع تواصل الاضطرابات الجيوسياسية تراجعا مقابل الدولار الأمريكي.
تونس بين الانتعاشة والتخوفات
محليا، عرفت سوق الصرف التونسية هي الأخرى تغيرات ملحوظة على مستوى سعر العملات الأجنبية مقابل الدينار التونسي، حيث سجل الدولار الأمريكي والاورو أهم العملات المرجعية تراجعا هاما أمام عملتنا المحلية، لتسجل إلى حدود يوم أمس ما يناهز الـ 3.13 دينار مقابل الاورو وفي حدود الـ2.80 دينار مقابل الدولار الأمريكي.
في الظاهر، تبدو هذه الانتعاشة التي عرفتها سوق الصرف التونسية والعملة المحلية، مؤشرا ايجابيا لاقتصاد البلاد باعتبارها تمثل فرصة سانحة يجب استغلالها في العديد من القطاعات الاقتصادية والتي على رأسها الديون الخارجية التي سيتم تسديدها انطلاقا من السنة الجارية، إلى جانب قطاع التوريد وغيرها من المجالات ذات صلة بالعملة الصعبة.
لكن يختلف الأمر في الباطن، وقد لا تغيّر هذه الانتعاشة شيئا على ارض الواقع، حسب ما ذهب إليه العديد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي باعتبار أن ما ستربحه تونس من تغيرات سوق الصرف ستخسر أضعافه في سوق النفط وفي قطاع التوريد عموما.
فاليوم، وفي ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها القوى الاقتصادية العالمية التي ستلقي بظلالها على بقية البلدان في ما يتعلق بأسعار المحروقات والمواد الطاقية التي تعد من أهم المواد الاستهلاكية التي يمكن الاستغناء عنها في أي بلد قوامه الصناعة والاقتصاد الطاقي.
الحكومة مطالبة بالتعويل
على نفسها
وهذا الوضع، يفرض على بلادنا الوقوف على مسافة من كل هذه التغيرات وعدم التعويل عليها في سد الثغرات المتوقع تسجيلها في الأيام القليلة القادمة جراء تباين الفرضيات التي انبتت عليها قانون المالية لسنة 2020 مع الواقع الراهن. وذلك من خلال كسب أهم التحديات التي راهنت عليها الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة ولم تتمكن إلى حد الساعة من بلوغها وهي التي تتعلق بعودة الإنتاج لكل هياكل الدولة الصناعية والاقتصادية منها، خاصة التي تشمل قطاع الفسفاط والمناجم.
فقد أكد خبراء الاقتصاد في هذا السياق، انه بمجرد عودة الإنتاج الوطني للمواد الطاقية والمنجمية ستغطي تونس حاجياتها من الطاقة خاصة إذا ما تم تدعيمه بدخول المشاريع المبرمج تنفيذها حيز الإنتاج والتي أهمها مشروع «حقل نوارة»، المشروع الأضخم في تاريخ تونس في قطاع الطاقة.
وكانت الحكومة قد اعتمدت على هذا المشروع كأحد الفرضيات التي انبنى عليها قانون المالية للسنة القادمة في ما يتعلق بالعائدات التي سيوفرها من جهة والمساهمة المنتظرة لهذا الاستثمار الضخم في قطاع الصناعات غير المعمليّة من جهة ثانية والتي ستصل إلى 7 بالمائة في 2020 مما ستساهم في بلوغ نسبة نمو اقتصادي في حدود 2.7 بالمائة على كامل السنة بفضل هذا المشروع الضخم.
كما من المتوقع أن يقلب المشروع المعطيات المتعلقة بالإنتاج الوطني من النفط والغاز في السنوات القادمة بعد انطلاقه الفعلي مع حلول السنة الجارية. حسب ما أعلن عنه وزير الصناعة سليم الفرياني.
وسيمكن «مشروع غاز نوارة» من تغطية 50 بالمائة من حاجيات تونس أي ما يعادل 2.7 مليار متر مكعب من الغاز وفي حدود الـ17 بالمائة من حاجيات الشركة التونسية للكهرباء والغاز، كما سيقلص بنسبة تناهز الـ30 بالمائة من واردات تونس من الغاز الطبيعي وسيخفض من عجز الميزان الطاقي بنسبة 15 بالمائة.
كذلك سيوفر المشروع إنتاجا وطنيا بحوالي 500 مليون دولار سنويا، أي ما يعادل الـ1400 مليون دينار تونسي، مما سيساهم بزيادة بواحد بالمائة في نسبة النمو الاقتصادي للبلاد.
كما يتوقع أن يقلص من حجم دعم المحروقات للسنة القادمة والمقدر بـ 1880 مليون دينار في مشروع قانون ميزانية 2020 بنحو 26 بالمائة، إلى جانب الحط من نفقات كل من الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير المبرمجة للسنة القادمة، بما يناهز الـ500 مليون دينار.
ويبقى هذا الاستثمار الحل الأقرب للحكومة الجديدة لتحصين كل توازناتها المالية واقتصادها من كل الأخطار المحدقة من الخارج على خلفية الأحداث الأخيرة التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.