ملف ينتظر حكومة ما بعد الانتخابات.. الأملاك المصادرة والمليارات المهربة و” تبييض” الأموال؟
في الوقت الذي يتطلع فيه الشعب والمراقبون إلى الإصلاحات التي قد تقوم بها حكومة ما بعد الانتخابات لا يختلف اثنان أن أبرز الوعود التي قدمها السياسيون الذين أوصلتهم الانتفاضة الاجتماعية والثورة الشبابية قبل 9 أعوام ضلت حبرا على ورق ..
كما لايختلف اثنان أن على رأس تلك الوعود استرجاع المليارات المهربة والمنهوبة وغلق ملفات مئات الشركات المصادرة وآلاف المؤسسات التي دخلت في نزاعات معها وعددها قدر سابقا بحوالي 5 آلاف..
+ وقد قدرت مصادر مطلعة قيمة الثروات التي صدر قرار بمصادرتها أو فرض عقلة عليها داخل البلاد وخارجها منذ مطلع 2011 بما بين 50 ومائة مليار دينار ..أي أكثر من ضعف ميزانية الدولة التونسية لعام كامل ..
وتعود تلك الأموال الى الرئيس الراحل بن علي وعائلته واصهاره ومقربين منه ..نجح بعضهم في ” تسوية وضعيته عبر المحاكم و صيغ أخرى(؟)”..
افلاس مؤسسات مصادرة
كما تسببت البيرقراطية وغلطات السياسيين في الداخل في افلاس كثير من المؤسسات المصادرة والعمومية ..بما يعني تناقص فرص استفادة الدولة من عملية بيعها أو الاستثمار فيها..وبينها مؤسسات اعلامية مثل دار الصباح وراديو شمس واذاعة الزيتونة ..
ويبدو أن كثيرا من الاموال المهربة والممتلكات في الخارج أصبحت عمليا تحت تصرف الدول التي توجد فيها الاموال المهربة والعقارات والشركات بمجرد وفاة صاحبها ..على غرار ما يجري في اوربا وعدد من دول العالم منذ عشرات السنين بالنسبة للاموال التي يهربها السياسيون والاثرياء العرب والافارقة ..ويفشلون في ” تبييضها “..
++ كما قدرت قيمة الاموال التي تهرب سنويا الى ” السوق الموازية ” داخل البلاد بأكثر من 60 مليار دينار ..أي حوالي نصف الناتج الوطني الخام الذي يقدر بحوالي 40 مليار دولار أمريكي أي حوالي 120 مليار دينار تونسي ..
وتقسم الاموال المهربة الى مبالغ تهرب الى الخارج وأخرى تهرب من البنوك الى ” الصناديق السوداء” ، أي ” صناديق خزن الاموال ” الخاصة Coffre fortالتي انتشرت لدى الخواص منذ أكثر من عشرين عاما وتضاعف الاقبال عليه منذ انهيار كثير من مؤسسات الدولة خلال الاعوام الماضية ..
مليارات خارج البنوك
وبحكم التعقيدات في نظام الصرف والتعطيلات لمشاريع اصلاحه ولتسهيل دخول العملة الاجنبية الى البلاد ، تقدر قيمة “العملة الصعبة ” التي توجد خارج البنوك والمسالك القانونية بعشرات المليارات ..من بينها مداخيل مؤسسات ” تصدير” وهمية وشركات سياحية عملاقة تستقبل سنويا ملايين السياح بينما لا يستقبل البنك المركزي الا حوالي مليار دولار ..حسب تصريحات محافظ البنك المركزي السابق الاستاذ الشاذلي العياري وعدد من الخبراء ..
++ وفي عدد من المصحات والمؤسسات السياحية و التجارية والخدماتية وشوارع العاصمة والمدن الداخلية لا يمنح الزبائن ” فواتير قانونية ” ..
ويطالب بعض رجال الاعمال أعوان الاستقبال والمحاسبة بتسليم الحريف ” فاتورة صورية ” ..وتكون الحصيلة ” تبخر ” الأرباح من مداخيل ملايين السياح والمرضى الجزائريين والليبيين والتونسيين وتكريس التهرب الجبائي والتهريب ..
مداخيل السياحة والمصحات
يضاف الى ذلك ” التهريب الأخطر” أي الابقاء على مداخيل بعض المؤسسات السياحية ووكالات الاسفار ومؤسسات “السياحة الطبية” في الخارج ..
لذلك يتساءل المواطن والمسؤول الحكومي النزيه مرة أخرى : أين مداخيل ال8 ملايين سائح الذين دخلوا تونس العام الماضي وحوالي 9 ملايين هذا العام ؟
وهل وقع التصريح بمداخيل المصحات والمؤسسات الطبية وشبه الطبية الخاصة من عشرات الاف المرضى من بين الاشقاء الليبيين و الجزائريين والموريتانيين؟
++ وفي الوقت الذي تقر فيه الإحصائيات الرسمية منذ أكثر من عشرين عاما أن حوالي نصف المعاملات المالية والتجارية أصبحت في ” السوق السوداء” تعترف كل المصادر أن المتحكمين في” القطاع الموازي” أصبحوا أسياد الموقف منذ أعوام ..وأن ” تبييض الأموال ” المهربة أصبح ” ظاهرة ” و” أمرا واقعا “..بما في ذلك بالنسبة لعدد من المهربين الموقوفين في السجن ..بما يوشك أن يذكر بأباطرة تجار المخدرات والممنوعات في أمريكا اللاتينية الذين يتحكمون من داخل زنزانات السجن في اقتصاديات بلدانهم وفي شبكات توظف الاف العمال والاداريين ..؟
ما العمل ؟
في هذا السياق العام هل يمكن للحكومة الجديدة تدارك الأمر وربح الوقت الذي خسرته الحكومات السابقة ؟
وهل سوف تقدر ” حكومة الكفاءات والانجاز” على معالجة ملفات التهرب والتهريب وتبييض الأموال والأملاك المصادرة رغم اعتمادها على تحالف بين “التجمعيين” و” الندائيين” السابقين ( قلب تونس وحلفائه ..) ونواب حركة النهضة ؟
الفرضية واردة إذا تعاملت الأغلبية البرلمانية والحكومية بوضوح وشفافية وعقلانية وبراغماتية مع الملفات مع احترام قاعدتين واضحتين :
– أولا : تمكين مصالح الجباية والديوانة من استرجاع أكثر ما يمكن من أموال عبر تسوية مالية علنية قانونية وعلنية لوضعية عشرات الاثريات واصحاب الاملاك المصادرة ..عوض ” التسويات تحت الطاولة ” مع المتهمين بالرشوة والفساد..
– ثانيا : احالة الملفات الخلافية على القضاء للبت فيها بسرعة وترجيح سيناريو الخطايا المالية على العقوبات السجنية التي قد تتسبب في فرار مزيد من المهربين خارج البلاد أو من السجن بعد مدة دون أن تسترجع المجموعة الوطنية الاموال والممتلكات ..
– ثالثا : التعجيل بغلق ملف المؤسسات المصادرة بعد أن أصبح أغلبها يشكو صعوبات مالية وادارية بما هدد مصالح العاملين فيها..وتوشك بعضها أن تباع بأسعار بخسة لأنها مهددة بالافلاس والغلق ..
– رابعا : التعجيل بالمصادقة على مشروعي اصلاح قانون الصرف والطوارئ الاقتصادية المعروضة على البرلمان منذ أعوام ..
– خامسا : تفعيل التنسيق بين مؤسسات السلطة التنفيذية في القصبة وقرطاج والبرلمان والقضاء والادارة ..حتى تسترجع الدولة المليارات المهربة وتوقف نزيف التبييض والتهريب والتهرب الجبائي من جهة ، ولا تضطر الى مزيد التداين وفرض الضرائب على الاجراء والمتقاعدين والشركات من جهة ثانية ..
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.