دليلة المفتاحي، في دور فاطمة النفير، وسناء حافظ، في دور حسنية رمضان عميد، وشيماء توجاني، في دور خديجة شعور، وعبير صميدي، في دور زكية محمد لمين باي، وكمال الكعبي، في دور الديواني والمحقق.
هؤلاء الخمسة هم من أثثوا سهرة أمس الاثنين 29 جويلية 2024 بمسرحية “البوابة 52” و هي من تأليف دنيا مناصرية وإخراج دليلة المفتاحي، وأمام جمهور محترم يعشق الفن الرابع وأب الفنون…
“البوابة 52” بوابة لتصحيح ما أهمله التاريخ
مسرحية “البوابة 52” نعتبرها من النوع السهل الممتنع بل ومضمونها فيه الجرأة والشجاعة، وهي التي حاولت رجّ المتقبل والمواطن عموما عبر بث العديد من الرسائل. ولعل أهمّها تلك التي تقول وأنّ ما كتب من تاريخ البلاد، كتب حسب ظروف معينة وتوجيهات معينة وميولات معينة.
ثمّ وأنّ كل ما درسناه من تاريخ هذه البلاد هو غير مكتمل بل وتنقصه ورقات تاريخية قد تكون هامّة وتمّ اهمالها لعدّة أسباب. ولعلّ الرسالة الأهم وهي وأن كتابة التاريخ هي عملية لا تنتهي مع ما كتب من أحداث وقتها. فقد تأتي الأيام بتعديلات لهذا التاريخ وتصحيحا له. مسرحية “البوابة 52” تندرج ضمن هذا التوجه الذي يهدف إلى نفض الغبار على جوانب من تاريخ تونس، أهملها، عن قصد أو غير قصد، المؤرخون. نساء “فلاقات” نفضت المسرحية عنهن الغبار
المسرحية سلطت الضوء بالأساس على دور المرأة زمن مقارعة الاستعمار، وكأن لسان حالها يقول، هذا ما أهمله التاريخ وبالتالي لم تذكر كتب التاريخ مساهمتهن جنبا إلى جنب مع الرجل، لتأتي المسرحية كردّ لاعتبارهن ولما قدمنه من تضحيات جسام والوقوف في وجه المستعمر الفرنسي. واكتفت المسرحية بظهور 4 نسوة، خلال المسرحية، لتكن رمزا، لبقية النسوة اللاتي قارعن الاستعمار بكل الوسائل المتاحة حيث وصل أوج المساهمة إلى حدّ تفجير أحد الجسور عندما كان رتل من الجيش الفرنسي يمر من فوقه ليسقط في تلك الحادثة 12 عسكريا فرنسيا قتلى. هاته المناضلات الأربعة، ذكرن بالاسم والصفة ما ” اقترفنه” في حق المستعمر ” حسب الديواني المحقق في كلّ ما “اجرمن” وهاته النسوة الأربع هن، فاطمة النفير وحسنية رمضان عميد وخديجة شعور وزكية محمد لمين باي وكل من ورائهن من رموز الحركة النسوية النضالية وقد تمّ ذكرهن بالاسم واحدة واحدة خلال المسرحية فضلا عن المحطات التي كادت أن تهزّ البلاد على غرار ما جرى لـ الدغباجي و الفتنة البورقيبية اليوسفية و لزهر الشرايطي و غيرها من المحطات السياسية التي هزّت استقرار البلاد.
‘الهجة’ هي الحل أمام نكران الجميل
أمام هذا الجحود و النسيان وعدم الاعتراف بدور المرأة زمن الاستعمار ووقوفها جنبا إلى جنب مع الرجل في وجه المستعمر، وهو ما أكدّه أهمال كتب التاريخ لهذا الدور، وكردّ فعل لهاته النسوة الأربعة المشار إليهن سابقا، قرّرن ” الهجة” إلى خارج البلاد ليجمع بينهن بهو المطار في انتظار زمن السفر إلى خارج البلاد. ومن هنا كان في الظاهر المعنى اللأولي لعنوان المسرحية ” البوابة 52″ ولكن في العمق هي تسلط الضور على أحداث 15 جانفي 1952 حين خرجت نساء تونس المناضلات ليشاركن في مظاهرة عارمة حيث تمكنت وقتها زكية محمد لمين باي من اقتلاع العلم الفرنسي من فوق سطح مركز للأمن وابداله بالعلم التونسي. ولكن كان الديواني ” الممثل كمال العكبي ” يلاحقهن ويحاكمهن محاكمة تاريخية زاد في تمسكهن بقرار بالسفر.
‘الديواني’ المحقق صوت السلطة وسياطها
بزيّه الرسمي، باعتباره صوت السلطة وسياطها، والنجوم البراقة التي تلمع على كتفيه وبشاربه الغليظ وجبروته وحزمه مثّل “الديواني” مأساة جديدة لهاتة النسوة الهاربات من الانكار والجحود ليجدن جلادا يحاول محاسبتهن وكأنهن مجرمات وارهابيات، لا كمناضلات قدمن لهذا البلد الغالي و النفيس؟
وقد نجح الممثل، كمال الكعبي، إلى حدّ بعيد في أن يمثّل بالفعل السلطة وموقفها وجبروتها و حزمها. حيث عبر التحقيق معهن الواحدة تلو الأخرى، حوّل تاريخهن النضالي زمن الاستعمار إلى جرائم و تجاوز للقانون و نعتهن بالإرهاب خاصة مع استعماله لبعض الكلمات مثل ” على جنب على جنب ” و ” واصل.. واصل ” و ” آقف غادي وما تتحركش” و ” امالا قلت فجّرت وقتلت” إلى آخر الألفاظ التي تظهر محاولة هذا الديواني لتجريمهن وتلطيخ تاريخهن النضالي. بل لم يكتف بذلك فحاول أيضا محاكمة بعض المحطات التاريخية الأخرى التي عاشتها تونس، مثل أحداث الخبز ومحاولته اسقاط وضعيات النسوة الأربع على ما حدث أيام “الثورة” سنة 2011 ليجتر وهو يحقق معهن كلمات مثل الإرهاب والقتل ومحاولة قران التكبير ” الله أكبر” بعمليات القتل التي كان يأتيها الإرهابيون زمن “الثورة” وعدّة مفاهيم أخرى لتوريط النسوة المناضلات. وكأنّ حال لسان هذا الديواني يقول للنسوة، ما مفاده، و أنّ التاريخ لا يرحم مهما كانت تضحياتكن لهذا البلد، فالنكران و الجحود سمة الكثير في هذا البلد.
غياب غير مفهوم؟
بقدر ما نقدّر عاليا برمجة هذه المسرحية في الدورة الحالية باعتبار ما يمثله ذلك من مراوحة بين ما هو فرجوي وما هو ثقافي. وهذا يحسب لفائدة الهيئة الجديدة للمهرجان بقيادة السيد لطفي الصفاقسي، بقدر ما يؤكد لنا جازما وأن المتفرج التونسي لا يبحث عن كل ما هو ثقافي ويزيد في زاده المعرفي، بل يقبل على بعض العروض التافهة ويعرض عن العروض العميقة.
نقول مثل هذا الكلام لمحدودية الحضور لمشاهدة المسرحية الذي لم يتجاوز ألف و500 متفرجا – وإن كان ذلك يعدّ حضورا هاما في مجال المسرح – و لكن أيضا لاحظنا حضورا محتشما لرجال الإعلام عند الندوة الصحفية، مقارنة بالندوات السابقة.
المهم، كانت الندوة الصحفية بمن حضر عميقة في أسئلتها وأعمق في إجابة الممثلة القديرة دليلة المفتاحي التي كانت منفتحة على كل الأسئلة حيث قالت وأنه لم تنطل على شخصي وأنه لا توجد نساء لم تشارك في النضال الوطني وعليه أوحيت للمؤلفة دنيا مناصرية بالفكرة ولكن لم نجد من المراجع ما يكفي لأن المسرحية تعكس أحداثا واقعية ولا علاقة لها بالخيال. مضيفة وأنّ جل الأجيال لا تعرف الكثير من النواحي من تاريخ تونس خاصة المتعلقة بالنساء المناضلات. خاصة وأن التاريخ يكتبه الرجال. وعرض مسرحية لا يكفي للتعريف لتاريخ البلاد وهي مناسبة لدعوة المهرجانات لتقديم الأعمال الجادة بعيدة عن أعمال ” الهشك بشك ” بذلك سيتعود المتقبل على الإقبال على مثل هذه الأعمال. وبالتالي لابدّ من الكتابة في هذا المجالات التاريخية ولكن لابد من وجود منتجين وسينمائيين لنشر تاريخنا وتعريف العالم بجوانب من تاريخنا، مؤكدة وأن المسرحية أخذت من عمرنا، أنا ودنيا، خمس سنوات بين البحث عن المراجع والكتابة والتمارين.
وما شدّ انتباهي تدخل ممثل الإذاعة الثقافية الذي قال أن مسرحية ” البوابة 52″ تجاوزت الزعيم بورقيبة والطاهر الحداد في تعرية واقع المرأة التونسية إضافة إلى دور الديواني في تحريك الكراسي طوال المسرحية و تركه محايدا لتبيان و أنّه هو أيضا جاهلا لتاريخه، لتجيبه و أن الديواني ليس إلاّ بشرا حركته الأحداث التاريخية التي لم يعشها ليحشر نفسه بعرض أحداث عاشها.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.