2019.. سنة “اختبار الديمقراطية”!
كانت سنة الأحداث الكبرى والتغييّرات العميقة والتفاصيل التي لا تُنسى.. تلك كانت سنة 2019.. هذه السنة التي سنودّعها بعد ساعات،شهدت أحداثا ومحطات سياسية فارقة وتاريخية وتفاصيل ستبقى عالقة في أذهان كل التونسيين لسنوات وعقود قادمة، حيث كانت سنة رحيل “الرؤساء” السابقين، وسنة الانتخابات والمفاجآت الكبرى، وسنة نهاية وولادة أحزاب، سنة تسارعت فيها الأحداث بشكل “مخيف” أحيانا وضجّت بتفاصيل وبكواليس وبوقائع رافقتها هواجس ومخاوف من غموض المستقبل..
وعلى أهمية الأحداث التي ضجّت بها السنة المنقضية الاّ أن تلاحم الشعب التونسي وتكاتفه جعله يتحدّى نفسه في أكثر من واقعة هزّت الرأي العام ويتجاوز كل المطبّات والعقبات بثبات ورباطة جأش خاصّة بعد رحيل رئيس الجمهورية السابق الباجي قايد السبسي والتمكّن في وقت قياسي من انجاز الاستحقاقات الانتخابية في “وقت حرج” وتسليم السلطة بشكل سلس ولافت.. كانت سنة “اختبار ديمقراطي” في علاقة بالأحداث المتسارعة وخاصّة مسالة الانتقال السلمي للسلطة والانتخابات الرئاسية المبكّرة والانتخابات التشريعية وستكون سنة 2020 سنة القدرة على الفعل السياسي في مناخ ديمقراطي من عدمه.
أزمة التعليم الثانوي
انطلقت سنة 2019 بأزمة كبرى عاصفة بين الجامعة العامّة للتعليم الثانوي ووزارة التربية حيث أعلنت الجامعة في 2 جانفي الماضي مقاطعة العودة المدرسية، هذه الأزمة التي تواصلت لأشهر لاحقة واشتدت إثر قرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي “حجب” أعداد التلاميذ عن إدارات مؤسسات التعليم، ليرد بعدها وزير التربية حاتم بن سالم، أن الحكومة اتخذت بدورها قرار “حجب الأجور” عن الأساتذة، وهو القرار الذي زاد من تشنّج الأجواء وانعكس سلبا على المناخ التربوي وعلى التلاميذ الذين أمضوا سنة عصيبة، وكادت الأمور تتطوّر الى الأسوإ بعد بعض التسريبات التي أكّدت أن الأساتذة سيقاطعون مراقبة امتحانات الباكالوريا وهو ما فنّدته جامعة التعليم الثانوي، ورغم أنها كانت سنة تربوية “كبيسة” الا انه في الأخير تم انهاء موسم دراسي صعب باجراء الامتحانات الوطنية.
خطاب الاستقلال وتونس “المريضة”
قال رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي في آخر خطاب رسمي له بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لعيد الاستقلال أن السلطة التنفيذية أصبحت برأس واحد منتقدا عدم مرور الحكومة الجديدة على مؤسسة رئاسة الجمهورية في مخالفة واضحة للدستور. داعيا إلى الوحدة الوطنية وتظافر الجهود لإخراج تونس من أزمتها التي وصفها بقوله ”تونس مريضة” معبرا في هذا السياق عن إستغرابه من خروج بعض الأحزاب من وثيقة قرطاج دون تقديم سبب واضح في إشارة إلى حزب مشروع تونس والحزب الجمهوري. وشدد على أن الوحدة الوطنية هي السبيل للخروج من الأزمة داعيا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى الرجوع إلى رشده والعمل في نطاق هذه الوحدة.
القمة العربية
نجحت تونس في 7 مارس الماضي في استضافة القادة العرب بمناسبة انعقاد القمة العربية برئاسة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وذلك في سياق واقع عربي ضبابي وغامض ومأزوم بالأحداث الخطيرة،وكانت أهم مخرجات هذه القمّة اتفاق القادة العرب الذين حضروا على رفض قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.
تأسيس حزب تحيا تونس
في أفريل 2019 تم عقد المؤتمر التأسيسي لحزب تحيا تونس بزعامة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والاعلان على أن سليم العزابي مدير الديوان السياسي السابق هو منسّق الحزب، هذا الحزب الذي تدعمه وقتها كتلة برلمانية هامّة سبق تأسيسها تأسيس الحزب، حيث قام 34 نائبا في مجلس نواب الشعب في اوت 2018، بتأسيس الكتلة برلمانية جديدة باسم الائتلاف الوطني، هدفها دعم الاستقرار الحكومي ودعم يوسف الشاهد في مواجهة حزبه الأمّ “نداء تونس” الذي قام بتجميد نشاطه والدعوة الى اقالته..
نهاية النداء اكلينيكيا
تحت عنوان “لمّ الشمل” وشعار الإصلاح والالتزام أشرف رئيس الجمهورية الراحل في أفريل على عقد المؤتمر الاوّل للحزب الذي أسّسه نداء تونس، لكن في هذا المؤتمر الذي كانت غايته التأسيس ولم الشمل انتهى الحزب “اكلينيكيا” حيث غادر “الندائيون” مؤتمرهم التأسيسي، برئيسين للجنة المركزية ومؤتمرين انتخابيين متوازيين، في كل من مدينتي المنستير والحمامات، واحد بقيادة حافظ قايد السبسي والآخر بقيادة سفيان طوبال.
انقسام الجبهة..
بعد سنوات من نجاحها الصعب في تطويق الخلافات داخلها وتفادي عدوى الانقسامات والاستقالات التي عصفت بكل الأحزاب دون استثناء، انقسم التحالف اليساري في ماي الماضي وانطلقت الخلافات بسبب اقتراح حزب “الوطنيين الديمقراطيين الموحد” اسم المنجي الرحوي كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية على أن يتم تدارس ذلك داخل الجبهة، بدلاً من حمة الهمامي، المتحدث الرسمي باسم الجبهة..
الرئيس يرفض المصادقة على تنقيح القانون الانتخابي
في 18 جوان الماضي، صادق مجلس نواب الشعب على تنقيح القانون الانتخابي لتعديل شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.. ولكن رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي يرفض أن يختمه هذا القانون الذي عمّق الأزمة بين رئاستي الجمهورية والحكومة وغذّى الفتور بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي تم اتهامه بأنه يهدف من خلال تمرير هذا القانون الى النيل من خصومه السياسيين، والظروف الصحيّة التي مرّ بها الباجي قايد السبسي بعد ذلك غذّت الشكوك بشان هل كان فعلا ينوي ختمه أم لا وما اذا كان تعرّض الى ضغوطات من عدمه ليبقى “ختم هذا القانون” من الالغاز التي وصمت المشهد السياسي وقتها ولم نظفر الى اليوم باجابات شافية بشأنها.
الخميس الأسود
يوم 27 جوان تتعرّض البلاد الى هجوم إرهابي مزدوج في نهج شارل ديغول في العاصمة، يسفر الأوّل عن استشهاد عوني شرطة بلدية يليه هجوم ثان على إدارة الشرطة العدلية بالقرجاني دون تسجيل أضرار.. وفي توقيت متزامن مع هذا الهجوم الإرهابي يتعرّض رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إلى وعكة صحيّة استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري، واحدى القنوات العربية تعمد الى بث إشاعة وفاته،وانتهى ذلك اليوم العصيب بإشاعة أكثر خطورة،بعد تسريبات حول ما قيل عن محاولة “الانقلاب الدستورية” على الشرعية الانتخابية ومساء نفس اليوم يترّأس رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر قطع يترأس اجتماعا لرؤساء الكتل البرلمانية حول الوضع الصحي للرئيس ويقرر عدم وجود شغور رسمي في رئاسة الجمهورية..
عيد جمهورية.. مرّة أخرى بطعم «الموت»
بعد ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية يوم 25 جويلية التي تلوّثت بالدم في 2013 بعد اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي،محمّد البراهمي،عاد عيد الجمهورية في 2019 حاملا مرّة أخرى بخبر الموت بعد الإعلان الرسمي عن خبر وفاة رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي عن سنّ تناهز 92 سنة بالمستشفى العسكري بتونس، وعلى خلفية الشغور الدائم في منصب رئيس الجمهورية أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن اجراء انتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر الماضي، وأدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، اليمين الدستورية كرئيس مؤقت لتونس يوم 25 جويلية 2019، ووفقا للدستور تولّى رئيس مجلس النواب محمد الناصر، البالغ من العمر 85 عاما، الرئاسة لمدة تتراوح ما بين 45 يوما إلى 90 يوما كحد أقصى، حيث تم خلالها تنظيم الانتخابات. كما أعلنت الحكومة الحداد العام في البلاد لمدة سبعة أيام، وتنكيس الأعلام في جميع مؤسسات الدولة.
أوّل جنازة رسمية لرئيس دولة
أعلنت الحكومة بعد وفاة رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي أن يوم 27 جويلية سيشهد إقامة جنازة وطنية لتشيع جثمان الرئيس الراحل السبسي وقدّ أمّنت وزارة الدفاع تلك الجنازة المهيبة التي حضرها رؤساء وملوك وأمراء من دول العالم وخرج التونسيون بالآلاف لتوديع رئيسهم في حدث نقلته القناة الوطنية وتحدّث عنه كل العالم.
مرشح للرئاسة من «خلف القضبان»
في 2 أوت أعلنت هيئة الانتخابات عن الانطلاق في إيداع الترشحات للانتخابات الرئاسية التي بلغت قبل الفرز النهائي90 ترشّحا، وفي 23 أوت تم إيقاف المترشح للرئاسية نبيل القروي وهو الحدث الذي غطّى على بقية الأحداث وشغل الرأي العام لأسابيع، فنبيل القروي الذي تمن اختياره يوم 25 جانفي الماضي ليكون رئيس حزب “قلب تونس” الذي أسّسه وجد نفسه، خلف القضبان رغم ترشّحه للانتخابات الرئاسية وقد استطاع القروي من سجنه أن يمرّ الى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية مع رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد،وبعد أسابيع من السجال القانوني والدستوري والأخلاقي حول هذه المسالة قرّر قيس سعيّد مع اقتراب الدور الثاني من الانتخابات عدم اجراء حملة انتخابية حتى يوفّر “تكافؤ الفرص” لخصمه السياسي وقبل أيام من موعد اجراء الاقتراع للدور الثاني من الانتخابات تم اطلاق سراح نبيل القروي وشارك في المناظرة التلفزية التي شكّلت حدثا غير مسبوق في الحملة الانتخابية، وشارك في مناظرة 7 سبتمبر التي سبقت الانتخابات 26 مترشّحا ولم يحضر الاّ 24 مترشّحا في الجولة الأولى من المناظرة التلفزية بسبب وجود المترشّح نبيل القروي وهروب المرشّح سليم الرياحي الى فرنسا.
تسليم السلطة
يوم 6 أكتوبر اختار التونسيون نوابهم وفازت بالانتخابات التشريعية حركة النهضة يليها حزب قلب تونس والتيار الديمقراطي والحزب الدستوري الحر وحركة الشعب، وفي 23 أكتوبر أدّى قيس سعيد اليمين الدستورية أمام مجلس النواب كرئيس منتخب للجمهورية والقائم بأعمال رئيس الجمهورية محمّد الناصر، يسلمه العهدة ويغادر قصر قرطاج وفي 13 نوفمبر انعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب وانتخاب راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان.. وفي 16 نوفمبر حركة النهضة الفائز في الانتخابات التشريعية تكلّف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة وانطلاق المشاورات حولها ولكن الى اليوم لم تتشكّل هذه الحكومة وفي 23 ديسمبر يجتمع رئيس الدولة بالفرقاء السياسيين لتقريب وجهات النظر والمكلف بتشكيل الحكومة يعلن قراره تشكيل حكومة كفاءات لا تشارك فيها الأحزاب.. ولكن الى اليوم لم تتشكّل هذه الحكومة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.