قال عماد الخميري، الناطق باسم حركة النهضة، إن الحركة متمسكة برئاسة الحكومة المُقبلة، وفق ما ينص عليه الدستور التونسي، داعياً الأطراف الفائزة في الانتخابات، وخاصة حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إلى التخلي عن «شروطها التعجيزية» للمشاركة في الحكومة، وتحمل مسؤوليتها «خارج المقاعد المريحة للمعارضة التي تحصّنت بها لخمس سنوات».
كما نفى وجود مفاوضات مع حزبي قلب تونس والدستوري الحر، مشيراً إلى أن الحركة ترفض التفاوض مع الأحزاب التي تتعلق بها شبهات فساد أو التي تحمل خطاباً «يمينياً فاشياً» يرفض الديمقراطية ويمجّد الديكتاتورية، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد يمتلك مكانة كبيرة (نتيجة الثقة التي نالها من الناخبين التونسيين) تؤهّله لأدار دورم مهم في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين وتذليل الصعوبات التي تعترض تشكيل الحكومة المُقبلة.
وقال الخميري، في حوار خاص مع «القدس العربي»: «النهضة تمكنت أخيراً من إعداد وثيقة برنامج أسميناها وثيقة التعاقد الحكومي، ونعتبرها مدخلاً للنقاش مع الأطراف السياسية. فنحن نريد حواراً لتشكيل حكومي يتأسس على برنامج يتضمن خمسة محاور كبرى، تتعلق بمكافحة الفساد والحوكمة في البلاد، وتعزيز الأمن والتضامن مع الفئات الهشة والطبقات المتوسطة، فضلاً عن تحسين الخدمات وخاصة الصحة والتعليم، واستكمال مؤسسات الدولة وخاصة فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية، وكذلك تعزيز قدرات السلطة الجهوية والمحلية، وأيضاً تعزيز التنمية والاستثمار ومعالجة المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد التونسي على مستوى الهيكلة».
وأضاف: «هذه الوثيقة عرضناها على المنظمات الاجتماعية (اتحاد الشغل والصناعة والتجارة والفلاحين) وأيضاً على الأطراف السياسية المشكّلة للبرلمان المقبل، كالتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، والأحزاب السياسية الأخرى، وسندير الحوار مع الأطراف السياسية حول هذا البرنامج، وحول هيكلة الحكومة ورئاستها وكل ما يتعلق بالتشكيل الحكومي المقبل. والمفاوضات في بدايتها الآن، وما زلنا نتحسس مواقف الأطراف السياسية ونأمل أن ترى الحكومة النور في الآجال الدستورية».
وكان حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب تقدما بجملة من الشروط -اعتبر البعض أنها «تعجيزية»- للمشاركة في الحكومة، وتتضمن تخلي حركة النهضة عن رئاسة الحكومة، وتكليف شخصية مستقلة برئاستها، فضلاً عن الحصول على بعض الوزارات السيادية، كالداخلية والعدل وغيرهما.
وعلّق الخميري على ذلك بقوله: «ما زلنا نعتبر أن التيار الديمقراطي وحركة الشعب رفعا سقف التفاوض بشروط تعجيزية بدت للنهضة أنها خارج سياقات الدستور، وخاصة فيما يتعلق بالإصرار على أن يكون رئيس الحكومة من خارج حركة النهضة، فالدستور واضح في هذه المسألة تحديداً، وهو ينص على أن الحزب الفائز في المركز الأول في الانتخابات البرلمانية هو الذي يترأس الحكومة ويشكّلها، وهذا الأمر أيضاً رأيناه في طلبات التونسيين خلال الحملة الانتخابية، التي تؤكد أنه في المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون هناك أطراف سياسية تتحمّل مسؤوليتها ولا تتخفى وراء المستقلين، فالشعب التونسي منح تفويضه للأحزاب كي تشكل الحكومة وتتحمل مسؤوليتها خارج المقاعد المريحة للمعارضة التي تحصّنت بها لخمس سنوات، ولذلك نحن نرى أن على الأحزاب السياسة الفائزة في الانتخابات، وخاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب، أن تبذل ما بوسعها مع شركائها في الوطن لحل مشكلات التونسيين في التنمية والمشاكل الاجتماعية المتعلقة بتحسين المقدرة الشرائية، وكذلك فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، وفي بيان قدرة هذه الأحزاب على مكافحة الفقر والفساد».
وكانت حركة النهضة استبعدت في وقت سابق حزب قلب تونس الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي، والحزب الدستوري الحر الذي ترأسه عبير موسي، من المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، إلا أن بعض الأطراف السياسية روّجت لشائعات تتعلق بوجود مفاوضات «غير مباشرة» بين حركة النهضة وحزب قلب تونس، فضلاً عن حزب تحيا تونس، الذي يرأسه يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية، لإقناعهما بالمشاركة في الحكومة، في ظل تعثر المفاوضات مع حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب.
وقال الخميري: «نحن لم نستبعد حزب تحيا تونس من المفاوضات الحكومية، فهو مرحب به دائماً، وهناك اتصالات جارية لإجراء مفاوضات تتعلق بالتشكيل الحكومي القادم، وفي الأيام القليلة القادمة سيكون هناك لقاء مباشر مع هذا الحزب. ولكننا نجدد موقفنا فيما يتعلق بحزب الفاشية اليمينية (الدستوري الحر) الذي تترأسه عبير موسي، فهذا الحزب لن يكون في جدول مشاوراتنا باعتباره حزب غيرٍ ويمجد الديكتاتورية والاستبداد، كما أنه لم يستفد من تونس الجديدة وثورتها، ونحن أيضاً على عهدنا فيما يتعلق بما قطعناه على أنفسنا خلال الحملة الانتخابية بأن الحكومة القادمة ينبغي أن تكون واسعة لمقاومة الفساد، وأن يتسم أعضاؤها بالنزاهة ونظافة اليد، ولذلك فالأحزاب التي تعلّقت بها شبهات فساد (كقلب تونس) لن تكون في التشكيل الحكومي القادم».
وحول فرص حصول حكومة «النهضة» على ثقة البرلمان، قال الخميري: «هذا الموضوع نتحسسه من خلال التفاوض مع بقية الأحزاب والمستقلين مع ما من يمكن أن يضع ثقته في الحكومة القادمة، من خارج الأحزاب المذكورة التي اشترطت أن تكون رئاسة الحكومة خارج النهضة. والحركة لها مؤسساتها العليا، وحينما تتقدم المفاوضات سيكون هناك عودة لهذه المؤسسات لاتخاذ القرارات المناسبة».
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، التقى أخيراً أغلب الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية، حيث أشارت بعض المصادر إلى أنه يبذل حالياً جهوداً كبيرة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين بهدف تجاوز العقبات أمام تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال الخميري حول هذا الأمر: «كنا من بين الأطراف الأولى التي تواصلت مع رئيس الجمهورية لتهنئته بالثقة التي حازها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي أعطته مكانة كبيرة -وهي مكانة مطلوبة لرئاسة الجمهورية التي تلعب دوراً في حماية أحكام الدستور وتوحيد التونسيين- كما قدمنا له فكرة عن أرادتنا في تشكيل الحكومة وما نرغب ببذله في المرحلة القادمة، ولنا ثقة كبيرة بأن الرئيس قيس سعيد سيلعب دوراً كبيراً في تذليل أي صعوبات تعترض تشكيل الحكومة القادمة».
وينص الدستور التونسي (الفصل 89) على أن يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بتشكيل الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. وفي حال فشل الحكومة بنيل ثقة أغلبية أعضاء البرلمان، يكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل الحكومة، بالتوافق مع القوى السياسية في البلاد، و»إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، فلرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً».
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.