بعد أخذ ورد منذ أعلن استقالته ، ومحاولات ابناءه عن قراره أعلن رئيس بلدية سوسة مساء اليوم عن قراره الأخير في هذه الرسالة التي نشرها على جدار صفحته الرسمية و هذا ما جاء فيها حرفيا :
“إثر الاطلاع على قرار المجلس البلدي بسوسة الذي رفض بالإجماع استقالتي من رئاسة المجلس، ومع شكري و تقديري لكل الزملاء، لست أدرى هل هذه معلقة شرف لي أم هي مجرد مجاملة لتجاوز الأزمة؟
كم كنت تمنيت هذا الإلتفاف حولي و أنا في أوج الحماس و قبل نشر الاتهامات الباطلة و التشكيك و الإساءة لشخصي بدون وجه حق.
قضيت أشهر في محاولة تنقية الأجواء و لَمّ الشمل و توحيد الصفوف حول مشاريع تعود بالنفع على مدينتنا و كافة متساكنيها، و تحييد العمل البلدي عن كل التجاذبات السياسية و الإيديولوجية و الحزبية.
غير أنه تبين مما لا يدعو للشك أن عدد من الزملاء تبنوا قراءات و تفاسير قانونية متباينة و أغلبها ذاتية، كما اعتمد البعض الآخر سلوكيات عدوانية مجانية، الشيء الذى نتج عن هذه المواقف تشنج و تعطيل عمل اللجان في المجلس.
ثم تم الطعن في النظام الداخلي من جهة و الإستدلال به من جهة أخرى لإعادة توزيع اللجان علما وأن تلك اللجان كان قد صادق عليها المجلس وهي تشتغل منذ 17 جويلية 2018 أي قرابة سنة، إنظم إليها و نشط فيها كل أعضاء المجلس دون استثناء.
و الحال أن الانخراط و العمل داخل هذه اللجان يعد قبولا و مصادقة ضمنية و فعلية عليها، كما وجب التأكيد على أن آجال الطعن في اللجان محدد بستين يوما من تاريخ العلم بتأسيسها و ليس من تاريخ المصادقة على النظام الداخلى و ذلك طبقا لمنطوق الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية و على إثر قضية كان قد رفعها أحد الزملاء و التي رفضتها المحكمة الإدارية بسبب مرور الآجال(60) يوما.
وجب التأكيد على أني لست طرفا في اللجان فالإبقاء عليها من عدمه يبقى أمرا ثانويا و موكولا إلى أعضاء المجلس و رؤساء القوائم، بالرغم من أن الجميع يعلم أن الغاية الحقيقية من وراء ذلك الإطاحة ببعض رؤساء اللجان و كل ما أخشاه هو أن يصبح ما تم تأسيسه طوال قرابة السنة محل جدال من جديد و تنافس على المقاعد والمناصب و الرجوع بالمجلس إلى نقطة الصفر.
كما أن الاستماتة في التطبيق الرجعي للنظام الداخلي من جهة و الطعن فيه من جهة أخرى يؤكد سوء النية و الازدواجية في المواقف للبعض.
كما أنّ رفضي القاطع لمجاراة البعض في الإستفراد بملفات ليست من مهامهم، كان من أهم أسباب إندلاع هذه الأزمة ، ولقد تجسم ذلك تارة بالإنسحابات من الجلسات وتعطيل العمل و طورا بالعرائض و الطعونات و التدوينات المُغرِضة و برفع القضايا المتعددة و المسترسلة و تَعَمُّد نشر مشاغل المجلس وإختلافات وجهات النظر على شبكات التواصل و تجنيد المواقع لنشر التهم و الافتراءات.
لقد جعلوا من كل الملفات المعروضة على المجلس ملفات فساد بمجرد مصادقة المجلس البلدي عليها خلافا لأهواء البعض.
و الأخطر من ذلك أن بعض الأحزاب تُجنِّد وتستقوى بعدد من الجمعيات والأفراد ليقوموا بالهرسلة و التجسس والتجنيد … تحت عنوان المجتمع المدني و هي في الحقيقة أذرع لأحزاب و لولبيات تحركها متى شاءت.
كل ذلك يُمَرَّرُ تحت الإدعاء بطلب تطبيق القانون و محاربة الفساد وهي كلمة حق يُراد بها باطل و يتم التَّألِيب بهـا على كل مسؤول و النيل من سمعته و كرامته بدون أدنى وجه حق.
بتعلة حرية الرأي و التّعبير تنتهك الحُرُمات و تداس المقامات..
لقد كنت أنذرت وأقسمت أمام الجميع أني لن أقبل على الإطلاق أي تجاوز تجاهي أو المس من كرامتي مقابل أي منصب!.
كما أدعوا كل المسؤولين بمختلف رتبهم و كل زملائي رؤساء البلديات أن لا يقبلوا على أنفسهم أي مس من كرامتهم أمام الملأ من أي كان..!
أقولها بكل مرارة لو إستمرت هذه الانتهاكات قد يأتي يوم لن يجد هذا الوطن العزيز أي مواطن شريف يتقدم لتسيير أي مرفق عام.
وأمام تأزم هذا الوضع و أمام الكم الهائل من الآمال الكبيرة التي عُقدت على هذا المجلس و بالرغم من نجاحنا في تحديد و رسم رؤية مستقبلية للخمسة السنوات القادمة و ما بعدها… و النجاح في إعداد العشرات من المحاور والدراسات الفنية بالتعاون مع أشهر الخبراء و المكاتب في العالم بتمويل و منح أجنبية لما لمسوه من حكمة في التصرف و جدية في العمل.
إنشغالي و تركيزي بالأساس موجه نحو المحاور التالية و لربح الوقت قمنا بالاطلاع على العديد من التجارب الناجحة في العالم واقتبسنا منها ما يناسب مدينتنا:
– تثمين النفايات و رسكلتها
– التحكم في الطاقة و الطاقة النظيفة
– مخطط التنقل الحضري و التهيئة العمرانية
– دراسة لتأهيل كورنيش و شواطئ سوسة الجنوبية وتقليص التلوث بها.
– رقمنة الإدارة و الأرشيف.
– جعل مدينة سوسة من ضمن المدن الذكية و حمايتها بأجهزة المراقبة و تهذيب الأنهج العشوائية بها.
– إرساء منهجية دائمة للتّصدي لظاهـرة إفتكاك الأرصفة والبناء الفوضوي.
– تأهيل المسلخ البلدي و أسواق الجملة و التفصيل لحصولها على المصادقات الصحية والبيئية.
– تهيئة وتوسيع المنشآت الرياضية و إحداث ملاعب الأحياء والعمل على إحداث معهد رياضي.
– معالجة جذرية للإنتصاب الفوضوي بتأهيل جزء من سوق الأحد لإيوائهم.
– الشروع في بناء دائرة جديدة سوسة جوهرة.
– الشروع في بناء قاعة مغطاة للملاكمة بحي العوينة.
– الشروع في إعادة تنوير المدينة العتيقة و الرباط و الجامع الكبير.
– إحداث مجموعة من المناطق الخضراء بالاستفادة من مياه العيون و الآبار ومياه التطهير بعد معالجتها.
– مشروع مدرسة الفرصة الثانية للإحاطة بالأطفال المنقطعين عن الدراسة وتكوينهم و حمايتهم من الإنحراف.
– الإنتهاء من دراسة شاملة لحماية سوسة من الفيضانات
– النظام الرقمي الجغرافي لكل أنهج سوسة système informatique géographique
هذه وغيرها من المشاريع الكبرى التي نعمل عليها بصمت و بعيد عن التوظيف كما وجب التأكيد أن كل هذه المحاور ليست شعارات و ليست عناوين بل أغلب هذه الملفات على طاولة الرئيس وتشتغل عليها اللجان و المصالح و في طور متقدم.
كذلك عديد من الملفات الكبرى التي برمجنا البدء في العمل عليها بعد انطلاق أشغال المسبح و الملعب الأولمبي منها: الطرقات الحزامية، بناء مقر إداري جديد للبلدية، الميناء الترفيهي، محطة القطار و المترو..علاوة على المشاريع العادية من تعبيد طرقات و ترصيف و نظافة و تنوير عمومي.. و المبرمجة فى ميزانية سنة 2018/ 2019
أتساءل ألم يكن من الأجدى إنخراط الجميع لإنجاح هذه البرامج المهمة لمدينتنا والتي من شأنها أن تعود بالفائدة لأبنائها من هذا الجيل والأجيال القادمة عوضا عن نسف اللجان والصراع على من يترأسها؟
غير أنه تأكد لنا استحالة التسيير العادي لهذا المرفق العام لعديد الأسباب و في ظل هذه التعطيلات و الحسابات الحزبية والأجواء المتشنجة، و مع اصراري على عدم تقديم أي تنازل لهذه الأحزاب و المجموعات لا الآن و لا غدا..!
أنا توفيق العريبي أتمسك مجددا باستقالتي النهائية و اللارجعة فيها من رئاسة المجلس البلدي بسوسة.
وبذلك أعيد الأمانة إلى أصحابها رافضا رفضا قاطعا الإنخراط في هذه الصراعات التي عطلت مصالح الناس و أضرت بسمعة المجلس و منعتني من القيام بواجبي.
بهذا القرار أكون قد حافظت على مبادئي وقناعاتي في تسيير المرفق العام على قيم الصدق و الحيادية والإنصاف و بكل استقلالية، رافضا أي نوع من أنواع الضغوطات مهما كانت شراستها و مهما كانت الجهة التي تقف وراءها و أنا متأكد أن كل وسائل الضغط و الهرسلة مازالت على أهبة الاستعداد لتحريكها في أي موضوع و في أي وقت و كلما تمسكت باستقلالية قراري.
خلاصة تجربتى أن المعادلة بسيطة جدا بالنسبة لي : بقدر تحرر المسؤول من الكرسي و المنصب بقدر ما تزداد قدرته على عدم الخضوع إلى أي كان و الثبات على إرضاء ضميره و وطنيته فحسب.
في الختام أعتذر بكل صدق لكل الأصدقاء و الأحبة و الذين انتخبونا و الذين ألحوا للتراجع عن الاستقالة وكذلك كل من السلط الوطنية و الجهوية، غير أن مروءتي تمنعني من التَشبُّث بالمنصب من أجل المنصب لا تعنتا ولا عنادا و لا مجاملة .!
لقد كان لي كبير الشرف أن ترأست هذا المجلس البلدي المنتخب الذي يزخر بالكفاءات المحترمة جدا.
و بهذه المناسبة التي أنهي فيها مسيرتى النضالية أتقدم بأسمى عبارات التقدير لأبناء مدينتنا على دعمهم الصادق و على حسن الظن بي و أُقِرُّ أن الإنخراط في العمل البلدي بصدق و أمانة يُعَدُّ من أنبل و أرقى ما قد يقدِّمه الفرد لمدينته، و كم كنت تمنيت خدمتكم لفترة أطول غير أن المحيط السياسي و الأخلاقى للأسف متعفن إلى أبعد حد،
وقد كان علينا أن نبدأ ببناء الأنفس و العقول على قيم النُّبل و الشهامة و الرفعة و الأمانة.. عوضا عن الإنتهازية و الجشع و الخبث و المراوغة و التملق.. قبل إعداد الفصول و القوانين و المجلات وقبل تكوين المجالس و الأحزاب و الجمعيات.
لا ينبغي لومي على إسترجاع حريتي و حفظ كرامتي مقابل تنازلي على منصب تطوعت له بأقصى درجات الصدق و الزهد ولكن للأسف في المقابل لم أجد الأجواء الملائمة لتسير هذا المرفق العام بأمانة و حيادية و صدق.
خَيَّرْتُ أن أُعيد الأمانة إلى أصحابها بعد أن حَرِصْتُ على أداء واجبي بكل تفان و نزاهة، فَضَّلْتُ أن أتخلى طوعا عن رئاسة المجلس البلدي بسوسة و أنا مرفوع الرأس مرتاح الضمير.
وفي الختام إنَّ الشعور باحترام الذات وراحة الضمير لا يعادله شعور مهما كانت المناصب و مهما كانت الألقاب.
توفيق العريبى
رئيس بلدية سوسة المستقيل.”
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.