السمسرة هي داء نخر ولا يزال الى يومنا هذا ينخر قطاع المحاماة مشهديتكرر يوميا امام المحاكم سماسرة منتشرون هناك وهناك “يراودون” المتقاضين”لتحويل” وجهتهم الى مكتب محام بعينه، داء استفحل في القطاع ودفع بالعديد من المحامين المطالبة بتطهير العباءة السوداء من هذه الظاهرة.
“الصباح نيوز” سلطت الضوء على الموضوع وكان لها لقاء مع عدد من اصحاب المهنة اذ كان حديثنا في البداية مع الاستاذ محمد بكّار الذي قال أن هناك فئة من المحامين امام قصر العدالة او بمكاتبهم يتعاملون مع سماسرة محترفين لجلب الحرفاء بمقابل و”مراودة” المواطنين الذين يترددون على المحاكم مشيرا ان من بين هؤلاء السماسرة نجد كتاب محامين واعوان شرطة متقاعدين.
ويتوخى اولائك السماسرة وسائل لاغراء المتقاضين بوعود زائفة منها انهم يعرفون قضاة متقاعدين والتحقوا بسلك المحاماة وسيساعدونهم على ربح قضيتهم… وليس السمسرة وحدها التي نخرت وفق قوله قطاع المحاماة بل هناك مسالة اخرى وهي تورط بعض المحامين وفق قوله في الرشوة اذ ان هناك عدد من المحامين اختصوا وفق تصريحه في القيام بعمليات ارشاء وارتشاء بين التجار المهربين خاصة من الجنوب والجم وذلك قبل احالة هؤلاء على القضاء مضيفا ان هنالك محامين معروفين يقومون بتدخلات بمقابل لفائدة التجار المهربين لدى الجهات الادارية والقضائية لتسوية وضعيات منوبيهم وافلاتهم من التتبعات الجمركية، وهؤلاء المحامين كونوا ارزاقا من موارد مشبوهة لا تتماشى ونشاطهم العادي المهني الشرعي معبرا عن اسفه امام عجز هياكل المهنة التي اصبحت وفق قوله غير قادرة عن مساءلة هؤلاء المحامين البعض منهم معروف بالتظاهرات الشعبوية في وقفات اجتماعية للمحامين ما يجعلهم يتمتعون بشبه حماية او حصانة من المؤاخذة التاديبية.
سمسرة من نوع اخر
السمسرة ظاهرة موجودة في كل القطاعات وتتمثل في تكليف شخص ماجور يجلب المحامين للحرفاء خاصة في قضايا حوادث المرور هكذا راى الاستاذ محمد صالح غومة مضيفا ان هناك شبكة على مستوى الضابطة العدلية او المستشفيات تتعامل مع محامين وتنسق معهم لجلب الحرفاء لهم مضيفا ان ظاهرة السمسرة انتشرت اكثر بعد الثورة باعتبار ان هناك نوع اخر من السمسرة متمثلة في الظهور المكثف عبر وسائل الاعلام فيعتقد المواطن ان المحامي الذي يظهر في وسائل الاعلام هو محامي “شاطر” وكفؤ في حين انه عكس ذلك تماما فكل المحامين الذين يظهرون عبر وسائل الاعلام هم محامون صنف “ثالث” باستثناء البعض على، حد تعبيره.
غياب إطار قانوني
واعتبر ان المشكلة في السمسرة غياب اطار قانوني لمقاومتها، فعلى سبيلالمثال الهيئة السابقة والتي كان على راسها العميد الفاضل محفوظ اعتمدت فيما يتعلق بالمسائل التاديبية معيار الدورية بمعنى من يظهر من المحامين بكثافة في الدوائر الجنائية او بقية الدوائر الاخرى خاصة المرور تعتقد الهيئة ان ذلك المحامي يسمسر لذلك لا بد ان يحدد مفهوم السمسرة والعقوبة المستوجبة في قانون مهنة المحاماة لاحترام مبدا الشرعية مضيفا أنه بالنسبة للجانب الجزائي بالنسبة للسمسرة فهناك الامر 46 يتحدث عن
استجلاب الحرفاء لكنه يعاقب من استجلب وليس من استجلب له الحرفاء لذلك لابد من ايجاد نص قانوني جزائي يعاقب من يسمسر خاصة في القطاعات الخاصةكقطاع المحاماة والاطباء.
وتابع في نفس الموضوع ان من يعتقد ان التوزيع العادل للقضايا سيحد من السمسرة فهو واهم معتبرا انه حل “شعبوي” وان الحل الوحيد اصدار قرار من السلطة السياسية لردع الضابطة العدلية واعوان المستشفيات الذين هم اطراف في السمسرة.
تداخل اطراف في السمسرة
من جهته اعتبر المحامي محمد بن حسانة ان السمسرة داء مستمر نخر مهنة المحاماة طيلة عقود ولا يزال الى اليوم وهو داء ناجم عن غياب الوعيالذاتي للمحامي الذي يمارس السمسرة وغياب ايضا الوازع الاخلاقي مضيفا ان ظاهرة السمسرة متداخلة فيها عدة اطراف اخرى من كتاب محامين واعوان امن وعناصر اخرى تمتهن السمسرة اذ تجد احيانا اشخاصا امام المحاكم ليسوا محامين ولا متقاضين ولكنهم سماسرة مهمتهم ربط الخيوط بين المتقاضي والمحامي معتبرا ان الاغلبية الساحقة من المحامين يستنكرون الظاهرة مشددا على ضرورة القضاء على ظاهرة السمسرة تدريجيا من خلال التوعية صلب الهياكل وضرورة قيامها بواجبها رغم صعوبة اثبات الظاهرة وعن طريق الردع من خلال الجانب التاديبي.
واعتبر الاستاذ عماد الرياحي ان السمسرة تتداخل فيها عدة اطراف تحاول الاستيلاء على اختصاص ودور المحامي وتلك الاطراف بينهم مواطنون متحيلون وكتاب عموميون منتصبين حول ارجاء المحاكم وكتبة محامين وحتى اصحاب السوابق العدلية فكل هؤلاء يحولون وجهة العدالة ويخلقون مشاريع وهمية ويتحيلون على المتقاضين بايهامهم بحل معضلتهم.
واضاف ان هناك سمسرة في القضايا المالية والشركات والبنوك تنحرف بالتوزيع العادل للقضايا بين المحامين وتتجه نحو فئة معينة من المحامين تستغل انتمائها السياسي او الوظيفي او المالي كما كان الحال سابقا وتقوض اركان العدالة وتمس من وضعية المحامي الذي لا يناله من تلك القضايا الا القليل لان البعض من المحامين “يستكرشون” من وراء تلك القضايا.
وراى ان الحل في اجراء دراسة شاملة مع كافة الاطراف المعنية والمتداخلة واقتراح حلول اجرائية كفيلة لوقف ظاهرة السمسرة على غرار تحديد معايير واضحة لايقاف المتورطين من المواطنين في السمسرة وتحرك الهياكل المسؤولة والنيابة العمومية ولكن هناك مسالة مهمة وهي لابد من ان يكون هناك ضمير وقيم اخلاقية ومبادئ تردع الشخص وتمنعه من القيام باشياء مخالفة للقانون والشرع.
شبكات منظمة
في الاطار نفسه افادنا المحامي عبد الفتاح العلوي كاتب عام الفرع الجهوي للمحامين بتونس ان السمسرة اكبر داء ينخر المحاماة التونسية يقع فيه “تحويل” وجهة الحريف نحو اشخاص بعينهم في المحاماة عن طريق الاغراء بضمان النتيجة او بالتدخلات وهذه الظاهرة مستشرية في القضايا الجزائية كذلك في قضايا الارهاب وقضايا القطب المالي والمرور والعقاري فهي لم تترك نوع معين من انواع القضايا الا وشملته واصبحت شبكات منظمة تعمل ابتداء من موقع الشكاية اي من الضابطة العدلية بمختلف انواعها التي تبحث في التهمة مرورا بالمستشفيات وصولا الى كتابة المحاكم وغرف الايقاف والادارة السجنية وبالتالي تتم عملية توزيع القضايا حسب علاقات تلك الاطراف بالمحامين وكل ذلك بمقابل مادي حتى صارت كل نوعية معينة من القضايا اصبح لديها محامين محددين واصبحت حرا على هؤلاء دون غيرهم مضيفا ان بعض الادارات على غرار الديوانة والجباية تتجه نحو نوعية من المحامين الذينكان اغلبهم موظفين بتلك الادرات.
توزيع قضايا الدولة حسب الولاءات
وتابع ان ظاهرة السمسرة لا تتجسد فقط في نشر القضايا امام القضاء وانما تمارس ايضا في اطار ابرام الصلح مع شركات التامين. ملاحظا أن الظاهرة في كامل تراب الجمهورية وفي مختلف المحاكم وساهمت في تجويع فئة كثيرة من المحامين مشيرا يفوت ان السمسرة تحصل ايضا في توزيع قضايا المؤسسات العمومية التابعة للدولة اذ انها تعطى حسب الولاءات والانتماءات الحزبية والدليل 90 بالمائة من قضايا المؤسسات العمومية ما قبل 2011 كانت تسند للمحامين التجمعيين والان بعد تغير المشهد السياسي فقد اضحت تلك القضايا تسند الى المحامين المنتسبين الى الاحزاب الحاكمة وبقيت دار لقمان على حالها.
يقول ايضا محدثنا ان الفروع الجهوية للمحامين بذلت مجهودات في مقاومة ظاهرة استجلاب الحرفاء بطريقة غير مشروعة وملتوية من خلال ضبط بعض الاليات لكشف الظاهرة مثل القيام بعمليات جرد للقضايا المنشورة واستصدار اذون على عرائض ومطالبة شركات التامين بتمكين الفروع من القائمات الاسمية للمحامين المباشرين للعدد الاوفر من القضايا كاصدار قرارات تاديبية بالاحالة على عدم مباشرة من قبل مجلس التاديب ولكن رغم ذلك فان مقاومة تلك الظاهرة لا تزال دون الحد الادنى المامول لتنوع اساليب السمسرة وتداخل عديد الاطراف فيها والامتناع عن التبليغ عن تلك الممارسات اوتتبع مرتكبيها.
صيحة فزع
وشدد على ضرورة اطلاق صيحة فزع وسن نصوص قانونية ذات بعدين بعد ينظم تشريعيا عملية توزيع قضايا المؤسسات العمومية كذلك قضايا حوادث المروركضبط حد اقصى لكل محام في عدد الملفات الممكن التعهد بها في نوعيةالقضايا المذكورة سابقا واما البعد الثاني فلا بد من سن نص قانوني صلبالمجلة الجزائية وليس صلب القانون المنظم للمهنة يتجاوز سلبيات النصالقانوني القديم المنظم للسمسرة واعتبارها جناية موجبة للتحقيق بدرجتينباعتبار لا يمكن ان ترتكب الا في اطار وفاق وشبكة وتنظيم. وتكون العقوبات صارمة واعتبار جميع المتداخلين فيها فاعلين اصليين دون الاكتفاء بحصر تلك الصفة في “الفاعل الاصلي” في شخص المحامي.
وقال انه فيما يتعلق بمسالة الرشوة داخل القطاع فانه طيلة عمله بالفرع لميحصل ان تورط محام في هذه التهمة معتبرا ان الرشوة تحصل في غرف مغلقة والمبالغ تقدم نقدا.
اما ياسين اليونسي رئيس جمعية المحامين الشبان اعتبر ان المتضرر من السمسرة في قطاع المحاماة هم المحامون الشبان، مشيرا ان هناك اطراف مورطة في العملية بعضها في المستشفيات والبعض الاخر في مراكز الشرطة وكل بمقابل مادي، مؤكدا ان الجمعية تصدت ولا تزال تتصدى لهذه الظاهرة بفضح تلك الممارسات والاتصال بالفروع الجهوية للمحامين واعلامها بذلك لان السمسرة تضر بمبدا الشفافية والمحامي المتمرن الذي يكون في بداياته من المحتمل أن ينساق وراء الظاهرة.
تعامل مجلس التاديب بمكيالين
واعتبر ان السمسرة منتشرة قبل الثورة ولكنها تفاقمت بعدها لان مجلس التاديب بالهيئة الوطنية للمحامين يتعامل بمكيالين بمنطق “هذا متاعنا وهذا مش متاعنا” وبعض الفروع ايضا تتستر على السماسرة من المحامين مقابل الترويج لحملاتهم الانتخابية سواء السابقة او القادمة.
جرد القضايا
وشدد على ضرورة التصدي بشدة للسماسرة والقيام بجرد القضايا في الدوائر الجنائية والجناحية والمرور وايضا بشركات التامين لكشف المتمعشين والسماسرة.
وختم بان الذين فشلوا في التصدي للظاهرة في المدة النيابة الحالية ان لا يترشحوا للانتخابات القادمة سواء المتعلقة بالهيئة او الفروع لانهم لم ينفذوا وعودهم الانتخابية السابقة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.